فلم خيانة مشروعة

خيانة مشروعة» .. سيناريو حيوي وأداء جيد وحبكة مليئة بالمفاجآت
أكثر أفلام السينما المصرية دموية على الإطلاق

أحمد جودة
«خيانة مشروعة» مشروع خالد يوسف الجديد، الذي يطرق من خلاله عالما مختلفا بعدما قدم أنواعا متباينة في أفلامه السابقة، بين السياسي والكوميدي والرومانسي والإثارة، هذه المرة يعود خالد بفيلم يجمع بين عوالمه المختلفة وأجوائه المفضلة، علاقات إنسانية متشابكة، مشاهد حركة ومطاردات، حبكة مليئة بالمفاجآت التي لا تنتهي سوى بالمشهد الأخير، لكن هذه المرة بسيناريو أكثر نضجاً وتماسكاً وبعيداً عن الجمل الفلسفية المتعالية على المشاهد العادي، حتى وإن كان أكثر دموية وسادية من كل مشاريعه السابقة، وربما كان الأكثر دموية في تاريخ السينما المصرية على الإطلاق، إلى الحد الذي يجعل أحدهم ينتقم من غريمة في انفجار سيارة وليس بمجرد عاهة مستديمة كما كان يخطط .
عند عودة هشام البحيري للمنزل يقتل زوجته وأخاه بعد ضبطهما متلبسين في وضع مخل، وفور صدور حكم البراءة على هشام، لكونها قضية شرف، يتشكك الضابط مجدي في براءة هشام ويحاول فتح القضية من جديد. وفي طريقه إلى ذلك يكتشف مفاجآت لا تنتهي نتابعها معه حتى نهاية الفيلم، الأمر لا يتوقف عند ظروف وملابسات قضية القتل، ولكنه يأخذ منحنى جديدا مع كل اكتشاف آخر، خاصة في علاقة الشخصيات ببعضها البعض ودوافعهم الحقيقية للخيانة .
ربما كانت نقطة انطلاق الفيلم الأساسية أنه يتحدث عن صراع الأغنياء والفقراء، خاصة عند تعريف هشام بنفسه أنه ابن الأغنياء «الجامدين جداً»، وأن الرابط الذي يجمع بين الثلاث نساء في حياته هو الفقر، ولكننا نكتشف أن ليس ذلك هو المستوى الوحيد في الفيلم الذي سيربط الشخصيات ببعضها، فالمستوى الأول متمثل في انكسار أخ شهد أمام أخته التي تطعمه خاصة أنه عاطل عن العمل، وهو أيضاً متمثل في انتماء وحرص شهد لهشام الذي يساعدها طوال الوقت بالمال اللازم، وبالتالي حقد هشام على أخيه المتحكم في نصيبه من الميراث .
المستوى الثاني هو مفهوم الخيانة المشروعة الذي يمثل هنا أيضاً المفتاح الذي تتحرك جميع شخصيات الفيلم على أساسه، فالأخ يخون أخاه بمشروعية للمحافظة على أمواله، والآخر يقتله بشكل مشروع ليحصل على نصيبه في الميراث، والحبيب يخون حبيبته وربما يقتلها للحفاظ على حياة شخص بريء ، والضابط يخون شرف المهنة للوصول إلى الحقيقة، والحبيبة تخون حبيبها ليلقى عقابه الشرعي حتى مع اقتناعها الشخصي بانصلاح حاله، وهكذا يقدم خالد يوسف تنظيره حول مفهوم الخيانة المشروعة وإن كانت تسمى خيانة بالفعل إذا كان الهدف منها الوصول إلى هدف أسمى، حتى وإن كان يخالف حدود العقل والمنطق أو أن يجيء على حساب رغبات كل منا.
بالرغم من تماسك السيناريو وقوة منطقه الذي يفرضه على المشاهد طوال الوقت، تظل فكرة أن ترفض أم هند الانتقال لمستوى معيشي أفضل بعد زواج ابنتها من عائلة البحيري بحجة أنها تريد تربية أبنائها بنفس الطريقة، هي أضعف مناطق الفيلم وأبعدها عن المنطق، كما يعتمد كشف الضابط للكثير من التفاصيل على المخبر الذي ظل يظهر طوال النصف الثاني في كل مكان، بطريقة تبدو مفتعلة لحد أن تضج الصالة بالضحك بمجرد ظهوره كل مرة، بالإضافة إلى أن يتجاوز دور إبراهيم عيسى كونه رئيس تحرير الجريدة التي كانت تعمل بها هند، إلى رمز وطني يحارب الفساد كان أكثر مما يحتمله السيناريو، غير ذلك فالسيناريو يتمتع بحيوية ظل محتفظاً بها طوال الفيلم، وانتقل طوال الوقت بين الحاضر والماضي ومن علاقة إلى أخرى بشكل محكم وسلس، ساعد على إحكامه المونتاج الممتاز من غادة عز الدين، وبرغم من جودة الديكور وتناسبه مع مستويات شخصيات الفيلم، إلا أنه كان أقرب إلى الافتعال في شقة عائلة شهد التي ظهرت الألوان بها ليست دليلا على الفقر أكثر منها دليل على عدم الذوق، موسيقى ياسر عبد الرحمن هنا مناسبة تماماً لطبيعة الفيلم، ومن شاهد فيلم ملاكي إسكندرية سيدرك حتماً أنه أفضل هنا، خاصة إذا كانت نوعية الفيلم تعتمد على الإثارة والتشويق.
على صعيد الأداء فالجميع قدم أداء جيدا وأحياناً جيدا جداً ولكنه لم يتجاوز حدود الأدوار السابقة، هاني سلامة بطل خالد يوسف المفضل، يقدمه هنا في دور مختلف في بعض المناطق خاصة التي تتطلب انفعالات القتل والانتقام والندم، وإن ظلت طبيعة الدور في الشاب الغني التي تقع البنات في غرامه، سمية الخشاب تثبت أنها ليست وجه جميل فقط خاصة في النصف الثاني من الفيلم، بينما لم يقدم دور مي عز الدين أي مساحة لتقديم شكل مختلف لها، هشام سليم لم يحاول رسم الجدية والبرود على ملامحه لأنه لا يمثل شخصية ضابط فاسد أو ديكتاتور، وهو أمر يحسب له بالرغم من أن طبيعة تحقيقه مع المتهمين فيما بعد كانت تحتاج إلى اسلوب مختلف عما شاهدناه في البداية ، أما الوجوه الجديدة التي قدمها خالد يوسف كانت تحتاج إلى عمل أكثر معها، وربما كان ذلك أفضل من أن ينشغل بأداء شخصية كمال التي كان من الممكن تقديمها بشكل أفضل من قبل أي ممثل آخر . حسناً قد لا يكون الفيلم تحفة سينمائية خالصة ولكنه بالتأكيد أفضل مشاريع خالد يوسف حتى الآن، وإن عابه الدموية المرعبة من كم مشاهد الانفجارات والمعارك الطاحنة التي كادت تنقلب على الفيلم، مع ذلك فهو فيلم ممتع ومسل إلى أقصى حد، خاصة لعشاق السيناريوهات المعقدة التي لا توقف عند مستوى واحد للحبكة والشخصيات