إن الناظر إلى أحوال المسلمين
يجدهم وقد قصروا وضيعوا أشياء كثيرة منها صلاة الفجر التي يتهاون الكثير
فيها ويتغافلون عنها على الرغم من أنها وباقي الصلوات ركن من أركان
الإسلام كما نعرف, بالإضافة إلى أن صلاة الفجر تحتوي على العديد من
الفضائل والمكاسب والتي يحتاج إليها الفرد المسلم ومنها على سبيل المثال
أن صلاة الفجر تُعد من مقاييس الإيمان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليس صلاة أثقل على المنافقين
من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا » [صحيح
البخاري], ومنها أيضًا أنها تحقق شيئًا هامًا تختلف به عن باقي الصلوات
الأخرى؛ وهو أن الشخص عندما يستيقظ من النوم لكي يؤدي صلاة الفجر في
المسجد فإنه بذلك يكون قد حقق نصرًا عظيمًا على نفسه ويكون قد آثر أمْر
الله على هوى نفسه التي تدعوه إلى النوم وترك الصلاة, كما أنه ينتصر كذلك
على الشيطان وفي ذلك مكسب كبير للفرد حيث يستطيع بعد ذلك وبسهولة خلال
يومه أن ينتصر على نفسه وشيطانه وهواه عندما يأمرونه بمخالفة أوامر الله
سبحانه وتعالى وارتكاب ما نهى الله عنه.
ومنها أيضًا أنه بحرص
المسلمين على صلاة الفجر يقربون النصر لأنهم يأخذون بأسبابه. ألا يكفي
للدلالة على أهمية تلك الصلاة واحتياج المسلمين إليها لما فيها من فضائل
عظيمة ما ذكرته مسئولة إسرائيلية في إحدى الحكومات السابقة حيث قالت "نحن
نعترف بأننا سنحارب المسلمين ولكن ليس هؤلاء المسلمين هم الذين سيحاربوننا
ولا هؤلاء اليهود, فسألت: ومتى تكون هذه الحرب؟ فقالت: عندما يكون عدد
المسلمين في صلاة الجمعة هو عددهم في صلاة الفجر" فكأنهم يعرفون الأثر
العظيم الذي سيحدث في نفوس المسلمين عندما يحرصون على صلاة الفجر كباقي
الصلوات.
ومع هذه الفضائل وغيرها والتي لا يتسع المقام لذكرها
حيث أن المقال يعالج جانب آخر يتعلق بصلاة الفجر وهو ذلك الجانب المتعلق
بشكوى الكثير من المسلمين بعدم قدرتهم على أداء صلاة الفجر مع رغبتهم في
أداءها, ولذلك سأحاول أن أضع بعض الأمور التي تساعد على جعل المسلم ذو
قدرة قوية على أداء تلك الصلاة ولقد جمعت تلك الأمور من كتاب الله وسنة
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأقوال الصالحين من السلف وغيرهم, وهذه
الأمور في إجمالها كالتالي:
1- الخوف والخشية من الله تعالى
2- البعد عن المعاصي
3- الاستغفار
4- كثرة الأعمال الصالحة طوال اليوم
5- النية الصالحة الصادقة
6- النوم على طهارة
7- قيام الليل ولو بركعتين قبل النوم
8- الذكر قبل النوم
9- الاستعانة بوسائل تعين على ذلك
ونفصلها كالأتي:-
(1) الخوف والخشية من الله:
لابد
للمسلم أن يستشعر الخوف والخشية من الله في قلبه حتى وهو في غاية العمل
فما بالنا عندما يقصر ويفرط في أمر من أمور الله سبحانه وتعالى, ولذلك فإن
هذا الاستشعار قد يكون دافعًا كبيرًا إلى العمل على وجود نية صادقة لدى
الفرد مما تجعله يكون حريصًا دائمًا على أداء صلاة الفجر في وقتها, ولعل
الأمر يحتاج إلى ذكر بعض النماذج من الصحابة وغيرهم والذين كانوا في خوف
وخشية من الله عز وجل وهم في غاية العمل. فهذا الصديق رضي الله عنه يقول:
وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن, وذكر عنه أنه كان يمسك بلسانه ويقول: هذا
الذي أوردني الموارد, وهذا عمر قرأ سورة الطور حتى إذا بلغ: { إن عذاب ربك
لواقع } بكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه, وكان في وجهه خطآن أسودان من
البكاء, وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه: كان إذا وقف على القبر يبكي حتى
يبل لحيته وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي
لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير, وهذا على بن أبي طالب
رضي الله عنه وبكاؤه وخشيته وخوفه وكان يشتد خوفه بيت اثنتين: طول الأمل
واتباع الهوى قال: أما طول الأمل فينسي الآخرة, وأما اتباع الهوى فيصد عن
الحق ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة, والآخرة مقبلة ولكل واحدة بنون فكونوا
من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا
حساب ولا عمل, وكان عبد الله بن عباس أسفل عينيه مثل الشراك البالي من
الدموع, وكان أبو ذر يقول: يا ليتني شجرة تُعضد ووددت أني لم أخلق.
(2) البعد عن المعاصي:
وذلك
لأن للمعصية آثارا وعقوبات كثيرة تقع على المعاصي في قلبه وبدنه في الدنيا
والآخرة, وقد يكون من آثار المعصية حرمان العبد من صلاة الفجر فالمعصية
تعمل على حرمان الإنسان من الطاعة ففعل الإنسان للذنب يصده عن طاعة تكون
بدله وتقطع طريق طاعة أخرى, فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم
جرًا, فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة, كل واحدة منها خير له من الدنيا وما
عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب
منها, كما أن المعصية تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أو
توقفه وتقطعه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة, فالذنب يحجب الواصل,
ويقطع السائر, وينكس الطالب, والقلب إنما يسير إلى الله بقوته, فإذا مرض
بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره, فإن زالت بالكلية انقطع عن الله
انقطاعًا يبعد تداركه, والله المستعان.
(3) الاستغفار:
لأنه
ومع حرص المسلم على عدم فعل المعاصي إلا أنه ولابد قد يقع في معصية -بل قل
في معاصي- لذلك فإنه يجب عليه أن يستغفر الله منها حتى لا يعاقب بسببها في
الدنيا وفي الآخرة, فالإنسان مطالب أن يستغفر الله سبحانه وتعالى من
الذنوب التي يفعلها طوال يومه بل ويستغفره أيضا حتى ولو لم يفعل الذنوب
ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله في اليوم والليلة
أكثر من سبعين مرة أو أكثر من مائة مرة, وكان يفعل ذلك مع أنه قد غٌفر له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر, كما أن للاستغفار فوائد كثيرة منها قول الحق
تبارك وتعالى { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا . يرسل السماء عليكم
مدرارًا . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا } [سورة
نوح:10-12], وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طوبى لمن وجد في
صحيفته استغفارًا كثيرًا » [صحيح الجامع 3930], ويُروى عن لقمان أنه
قال لابنه: يا بني عود لسانك اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها
سائلا, وقال رباح القيسي: لي نيف وأربعون ذنبًا قد استغفرت الله لكل ذنب
مائة ألف مرة. وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول لغلمان الكتاب: قولوا
اللهم اغفر لأبي هريرة فيؤمن على دعائهم.
(4) كثرة لأعمال الصالحة طوال اليوم:
لأن
ذلك يعين المسلم على الاستيقاظ لصلاة الفجر ويدل لذلك ما ذكره ابن قيم
الجوزية حيث قال: إن الطاعات تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا حتى يعجز على
العبد مفارقتها والخروج منها, كما أن المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها
بعضًا, قال بعض السلف: (إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها, وإن من ثواب
الحسنة الحسنة بعدها, فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها: اعملني
أيضا, فإذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا فتضاعف الربح وتزايدت
الحسنات وكذلك جانب السيئات أيضًا حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة
وصفات لازمة وملكات ثابتة, فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت
عليه الأرض بما رحبت وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاوده
فتسكن نفسه وتقر عينه). ومن ذلك فإننا ندعو كل مسلم حريص على صلاة الفجر
أن يكثر من الأعمال الصالحة لعله بعمل من هذه الأعمال يُكرم بصلاة الفجر.
(5) النية الصالحة الصادقة:
يحتاج
المسلم إلى نية صادقة يستحضرها قيل النوم فينوي أنه سيقوم لصلاة الفجر؛
فالنية هي أساس أي عمل من الأعمال فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى.... » [صحيح البخاري] والنية ليست فقط عند
أداء الطاعة بل وقبلها أيضًا, فلابد للمسلم أن يصدق في نيته بالنسبة لصلاة
الفجر ويسأل نفسه قبل أن ينام هل يريد فعلا أن يستيقظ ويؤدي صلاة الفجر أم
لا؟
(6) – النوم على طهارة:
لأن ذلك يعين المسلم ليس
على صلاة الفجر؛ فقط بل وعلى قيام الليل أيضًا, وقد ورد في ذلك أحاديث
تبين أهمية النوم على طهارة مع وجود النية للقيام منها. قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: « من بات طاهرًا بات في شعاره ملك، لا يستيقظ ساعة
من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلانا، فإنه بات طاهرًا »
[السلسلة الصحيحة 2539] (الشعار) بكسر الشين المعجمة هو ما يلي بدن
الإنسان من ثوب وغيره, فالحديث يبين أن من ينام على طهارة يكون في شعاره
ملك وبالتالي فهو أقرب إلى الاستيقاظ لقيام الليل أو لصلاة الفجر من ذلك
الذي لا ينام على طهارة.
(7) – قيام الليل:
قال تعالى
{ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا } [سورة
الإسراء: 79], وفي الحديث « أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت
فإنك ميت، وأحبب ما شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم
أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس » [السلسلة
الصحيحة 83], وعلى ذلك فإني أدعو كل مسلم لا يقوم الليل أيضًا أن يبدأ في
ذلك ولو أن يصلي فقط بداية قبل أن ينام وقبل أن يوتر ركعتين أو أكثر بنية
قيام الليل ثم يصلي صلاة الوتر فإنه بذلك يكون قد قام الليل ويحصل بذلك
على ثواب قيام الليل ولكن على المسلم بعد ذلك أن يتطور في أداء هذه الصلاة
فإنه أما أن يزيد ركعاتها أو يؤخرها بعد ذلك إلى ثلث الليل الأخير كما كان
يحرص على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقيام الليل له فضل عظيم كما بينا
وكذلك يساعد المسلم سواء قام قبل النوم بداية أو قام في الثلث الأخير من
الليل على أداء صلاة الفجر.
(8)- الذكر قبل النوم:
فالمسلم
بنومه على طهارة ونيته للقيام وذكره لله قبل النوم يجعل من نومه عبادة
وطاعة لله عزوجل ويساعده على أداء طاعة أخرى وهي صلاة الفجروالذاكر لله
سبحانه وتعالى أقرب إلى أن يستيقظ لصلاة الفجر من ذلك الذي لم يذكر الله
عزوجل ولذلك حرصنا على الدعوة إلى ذكر الله قبل النوم لأنها تعين المسلم
على الاستيقاظ لصلاة الفجر. ومما تجدر الإشارة إليه ونحن في هذا المقام أن
هناك أذكارًا كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب للمسلم أن
يقولها إذا أوى إلى فراشه, وهي موجودة في كتب الأذكار النبوية وكتب
الأحاديث النبوية لمن يريد أن يعرفها ويحفظها.
(9)– الاستعانة بوسائل تعين على ذلك:
منها
ما يسمى بالمنبه الذي يستطيع الإنسان أن يستخدمه في هذا الأمر, ومنها
الاستعانة بأحد الأصدقاء الحريصين على صلاة الفجر كأن يأتي بنفسه إليه أو
أن يتصل به عن طريق الهاتف؛ إلى غير ذلك من الوسائل المناسبة لكل شخص يريد
أن يؤدي صلاة الفجر في جماعة, والله المستعان.
المصادر والمراجع
(1) الداء والدواء لابن قيم الجوزية
(2) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي
(3) رياض الصالحين للنووي
(4) فقه السنة لسيد سابق